علي فاضل: "أنهيت ولاية بطيخ لأن اللعبة تغيّرت"
Description
في بغداد، التقى باسم سلوم المخرج والكاتب العراقي علي فاضل، صاحب البرنامج الساخر الأشهر في العراق "ولاية بطيخ".
بعد عشر سنوات من النجاح المتواصل، اختار فاضل أن يوقف البرنامج وهو في القمة، في خطوة فاجأت الجمهور وطرحت أسئلة كثيرة حول قراره، ومستقبل الدراما العراقية في زمن المنصات الرقمية.
من المذيع إلى المخرج
يتحدث علي فاضل عن البدايات: "دخلت التلفزيون صدفة عام 2010 من باب التقديم، لا من الإخراج. كنت أعمل خلف الكاميرا، لكن أحدهم اقترح أن أقدّم برنامجًا خفيفًا على قناة الشرقية".
لم يكن الحلم أن يصبح مذيعا، لكنه اكتشف أن التجربة منحته مساحة ليتعرّف عن قرب إلى الجمهور، ويكتشف طريقه الحقيقي نحو الإخراج والكتابة.
بعد سنوات من التمرّس، وُلد مشروعه الذي غيّر المشهد الكوميدي في العراق "ولاية بطيخ"
نجاح مدو وضريبة قاسية
بين عامي 2015 و2023 تحوّل "ولاية بطيخ" إلى ظاهرة شعبية، برنامج ساخر جمع بين النقد السياسي والاجتماعي، وأطلق عشرات الوجوه الشابة التي أصبحت نجومًا في الدراما العراقية.
لكن النجاح، كما يقول، لم يكن مجانيًا:
"البرنامج منحني شهرة واسعة، لكنه اختصر تسع سنوات من حياتي في عنوان واحد. صرت بنظر الناس فقط صاحب ولاية بطيخ، بينما كنت أبحث عن أشكال أخرى من التعبير".
ومع مرور الوقت، بدأت المنصات الجديدة تفرض إيقاعها المختلف: مقاطع قصيرة، محتوى سريع، وجمهور يبدل اهتماماته كل يوم.
"أدركت أن اللعبة تغيّرت، وأن ساعة تلفزيونية لم تعد قادرة على منافسة دقيقة واحدة على تيك توك".
لذلك، قرر أن يُنهي البرنامج وهو في قمته: "أردت أن أحتفظ له بصورة جميلة في ذاكرة الناس، العفوية والصدق هما سرّ نجاحه، ولا أريد أن أفقدهما بسبب التكرار أو الملل".
الموهبة أولا… لا عدد المتابعين
في زمن يختلط فيه الممثل بالمؤثر، يرى علي فاضل أن الموهبة هي الفيصل.
"أنا لا أرفض دخول المؤثرين إلى الدراما، لكن بشرط أن يمتلكوا موهبة حقيقية، الشهرة على السوشيال ميديا لا تكفي، والفن ليس بعدّاد المتابعين، بل بالصدق والإحساس".
ويضيف أن الاعتماد على الأسماء المتابعة على مواقع التواصل الاجتماعي وحدها أضعف جودة الإنتاج في بعض الأعمال: "حين يتحول الممثل إلى رقم في قائمة المتابعين، نفقد المعنى الفني كله".
الدراما العراقية تبحث عن صناعة
ينتقل الحديث إلى واقع الإنتاج الفني في العراق، فيقول فاضل بهدوء:
"نحن في مرحلة التأسيس، السوق لا يزال هشًّا، والتمويل يعتمد على المبادرات الفردية، لكن هناك تطوّر واضح، خصوصًا مع تجارب مثل MBC العراق التي حسنت من نوعية الأعمال".
ويستعيد التجربة السورية مثالًا على ما يحتاجه العراق اليوم: "حين قررت الدولة في التسعينيات أن تصنع دراما تُصدّر، تحول القرار إلى صناعة حقيقية، نحتاج قرارًا شبيهًا في العراق".
جمهور متغيّر ودراما أقرب إلى الناس
بعد توقف "ولاية بطيخ"، اختار علي فاضل طريقًا مختلفًا: الدراما الاجتماعية.
في السنوات الأخيرة، قدم خمسة مسلسلات تتناول قضايا من الحياة اليومية: الزواج، العلاقات العائلية، والمراهقة.
يقول: "لم أعد أريد مخاطبة الجميع. أفضل أن أتحدث إلى فئة تعرف ما أقدّمه، مليون متابع مهتم أفضل من أربعين مليون يمرّون مرور الكرام".
ويرى أن المشاهد اليوم يبحث عن الصدق لا الضجيج: "الناس سئموا المبالغة، يحبون الأداء البسيط واللغة القريبة، العفوية ما زالت تملك سحرها".
مشاريع رمضان المقبل
عن مشاريعه القادمة، يكشف فاضل أنه يستعد لعرض عملين دراميين جديدين في موسم رمضان المقبل، يتناولان قضايا اجتماعية "حسّاسة" بعيدة عن الإثارة المصطنعة.
"كنت أريد تقديم عمل كوميدي هذا العام، لكن القنوات والمنصات فضّلت الدراما الاجتماعية، يبدو أن الجمهور يريدني جادًّا قليلًا هذه المرة.
العمل الأول سيقدّم وجوهًا جديدة بالكامل، فيما يجمع الثاني ممثلين سبق أن تعاون معهم، ويؤكد أنّ اختياره للمواضيع يعتمد على وضوح الهدف: "كل مسلسل يجب أن يعرف جمهوره بدقة، من يخاطب، ولماذا".
بين بغداد والعالم العربي
حين يُسأل عن الدراما المشتركة، يجيب بأن التجربة السورية – اللبنانية كانت الأنجح بفضل قرب اللهجة والمنطق القصصي، بينما التجارب التي تجمع جنسيات بعيدة دون سبب درامي "تبدو مصطنعة".
ويضيف: "نجاح الدراما المشتركة ممكن عندما تكون القصة صادقة، لا عندما نحاول جمع اللهجات فقط".
أما عن بغداد، فيصفها اليوم بأنها مدينة تتغير بسرعة: "العيش فيها أجمل مما يظنّ كثيرون، صارت أقل كلفة من مدن عربية كبرى، والناس بدأوا يستعيدون ثقتهم بالحياة، أؤمن أن الفنانين الذين غادروا سيعودون قريبا".
"القصة الجميلة تنتهي حين يحين وقتها"
في ختام اللقاء، يتحدث علي فاضل بأمل: "التطور التقني لا يلغي القصة الإنسانية، التلفزيون والإذاعة والسينما ما زالت قادرة على لمس الناس حين تكون صادقة، انتهت ولاية بطيخ لكنها لم تنتهِ من داخلي، تعلمت منها أن النجاح الحقيقي هو أن تعرف متى تضع النقطة الأخيرة".